بيت الموسيقى والحوار مع أفريقيا؛ جعفر فرح*

نسخ الرابط مشاركة فيسبوك مشاركة الواتسآب

 لست ناقدا موسيقيا ولكنني متذوق لموسيقى العرب وللموسيقي العالمية مثل غالبية الناس. وبعد ان خرجت من عرض بيت الموسيقى هذا الاسبوع والذي قدمته كعرض مشترك مع الفرقة الاثيوبية "بهالاتشين" وجدت نفسي أكتب هذه الكلمات لأشارك من لم يحضر الامسية الرائعة. وشكل العرض حيزا موسيقيا حاورت فيه الموسيقى العربية الموسيقي الافريقية من على منصات مسرح الميدان في مدينة حيفا. تعتبر هذه تجربة جديدة من تجارب الفنانين الشباب في "بيت الموسيقى" في محاورة موسيقى من العالم، وخصوصا في محاورة موسيقى افريقيا علما ان الاعمال الحوارية السابقة لبيت الموسيقى ولأغلبية الفرق الموسيقية العربية هي حوار مع الموسيقى الاوروبية القادمة من البرتغال او بريطانيا او ايطاليا وذلك بسبب توفر التمويل الذي يشجع الحوار الغربي العربي. وفي ظل هيمنة حضارة الغرب على الحيز الثقافي من المهم تشجيع الحوار بين الجنوب والجنوب الثقافي لآهمية الحفاظ على الثقافة الشرقية والآفريقية وعلى قدرتها المساهمة في ثقافة العالم.

بدأت الآمسية في مقطوعات موسيقية غنائية قدمتها المغنية الأثيوبية هايوت بمرافقة راقصان أثيوبيان قدما رقصات شعبية بسيطة تحاور الانسان مع محيطه في الآرض. تلاها مقاطع موسيقية للرباعي الموسيقي ؛ لؤي أبو سنة- بيانو، أمين أطرش- درامز، يامن عودة- ساكسون، عامر نخلة- عود وغيتار بمرافقة غناء الفنان الرائع علاء عزام. ولكن قمة العمل كانت في الاعمال المشتركة والمتحاورة بين الفرقتين وكان من الواضح ان الموسيقي عامر نخلة هو قائد المجموعة وكاتب أعمالها الموسيقية المشتركة، وحين صعدت سماء واكيم لترافق فرقة الرقص الأثيوبية أصبح واضحا الفرح والانفعال الشرقى الذي مكنهم من تقديم اداء راقص رائع وبسيط مع ابتسامة تؤكد قرب أفريقيا من الشرق العربي وتذكر في الطيابة التي تميز هذه المنطقة التي تبتسم في أصعب الظروف.
ونفذت الفرق عملان كتبهما عامر نخلة ليشكلا حوارا موسيقيا دمج معهم الجمهور الذي شارك مصفقا ومضيفا للحوار رونق أخر. وكانت الفرقة الغنائية الآثيوبية تشجع التصفيق كمشاركة فعالة ترافق الاداء الموسيقي وهي عملية لا تشجعها كافة أنواع الموسيقى الغنائية. وتميز في هذه المعزوفة عازف الساكسفون يامن عودة الذي أبدى قدرة عالية من التواصل مع باقي الآت الموسيقى التي شاركت في المعزوفة. وقاد السكسفون باقي الآلات الموسيقية العربية والتي استخدمها عامر نخلة وعلاء عزام ليحصل تحاور رائع مع عازف الدرامز أمين أطرش وعازف البيانو لؤي ابو سنة. يشار الى ان غالبية ألات فرقة بيت الموسيقى ما عدى العود هي ألات غربية تعزف الآلحان العربية التي كتبت من قبل طاقم بيت الموسيقى.

بوفي حين تميزت الفرقة الاثيوبية ببساطة آلاتها الموسيقية رافق الفرقة العربية الآت موسيقية غربية منها الساكسفون والدرامز والبيانو. واستطاع نخلة وعزام في تحويل العود الى الالة القائدة لللاداء على الرغم من بساطة العود التقنية. وفي المقطوعة الاخيرة التي ألهبت الجمهور سمحت لنفسها الفرق ان تواصل العزف والغناء العفوي بدون العودة الى نصوص النوتة المكتوبة او الى الكلمات. وتمكن علاء عزام من الاستفادة من صوته العميق ليحفز المغنية هايوت والتي بدت تعبة في نهاية الفقرة الآخيرة.وفي النهاية وقف الجمهور منفعلا ومصفقا من هذا المزيج الموسيقي الرائع.

لاحظت عند دخولي القاعة بقاء عدد غير قليل من المقاعد في القاعة شاغرا. وعلينا ان نتسائل حتى متى تبقى عملية تسويق الاعمال الثقافية وبيع التذاكر تقتصر على مجموعة صغيرة ولماذا لا تستطيع مؤسساتنا الثقافية ايجاد أليات التسويق الصحيحة التي تمكننا من التواصل مع الجمهور الواسع. اذ ان قاعة الميدان التي تتسع الى 300 مشاهد بقي فيها عدد لا بأس فيه من المقاعد الشاغرة. وأقترح في هذا السياق على المؤسسات الثقافية الاتفاق مع المدارس والمراكز الجماهيرية توزيع التذاكر التي لا تباع على المؤسسات بأسعار رمزية. وأذكر في هذه المناسبة والدة احد الفنانين الشباب التي تجاوزت الستين والتي تحضر كافة المواقع الثقافية وبحوزتها دعوات لعروض ابنها مع اهم الفرق الاوروبية. وتقوم هذه الوالدة بدعوة كل من يصادفها لحضور عرض موسيقي رائع بقيادة ابنها وكأنها تحولت الى المسوق الاساسي لهذا العرض. وظاهرت التسويق العائلي والشخصي هي الظاهرة التي تميز غالبية مؤسساتنا الثقافية التي لم تنشأ حتى اليوم جهاز تسويق وتوزيع للعمل الثقافي.

أكدت لي هذه الحوارية الموسيقية قدرت شعبنا وفنانينا على خلق انفتاح حسي وموسيقى مع العالم دون التخبط والتذيل . فالآنفتاح الموسيقي على العالم والعالم الثالث هو قدرة هؤلاء الشباب المساهمة في حوار الحضارات وتطوير ثقافة العالم وحضارته. يبقى ان نوجه دعوة لكل من يهمه تطوير اذن وحس أبنائه وبناته ان يبحث عن الآعمال الموسيقية الرائعة التي ينفذها يوسف حبيش وحبيب شحادة وعامر نخلة وسليم عبود ومئات الموسيقيين المبدعين. وعلينا دعم هؤلاء المبدعين من خلال التواجد الفعال في أعمالهم ودعوتهم الى تعليم الرعيل القادم من الموسيقيين والمغنين العرب, وفعلا فأن سليم دعيبس عبود وتريو جبران هم مدارس في الموسيقى العالمية ويبقى ان نتمنى لهم استمرار التقدم والابداع.

*جعفر فرح- مدير مركز "مساواة" في حيفا

صور متعلقة